في الثامنه و النصف مساءاً تجرأت و قررت و حسمت امري بالخروج من المنزل بعدما دخلت الحمام لانعم ببعض الماء البارد في هذا اليوم الجهمني من ايام تموز الحارقة دون أن اضع منشفة على جسدي و انشف الماء بعد الاستحمام , فقد راقني الامر لابقاء الماء حتى تبلل الملابس فأنتعش قليلا عندما يهب بعض من هواء في الخارج .
التقيت بصديق قريب اعتدت انا و اياه سرقة بعضا من وقتنا و التنزه قليلا على الشارع العام امام المخيم
كما كل مره كنا نتبادل الحديث في شتى المواضيع , كانت السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية أو " البناتيه " ..الخ
أخذ يحدثني عن امكانية استئناف اضراب مدارس وكالة الغوث عند بداية الفصل الدراسي القادم , احسست بالقلق المكبوت يتخلل كلماته كونه مدرّس في احدى مدارس " الوكاله " , توجهت اليه بالسؤال " و بعدين مع هالوكاله " اجابني بكلمة واحده
" لست ادري " , فخطر في بالي ان اكتب في " حلقات متباعده عن تلك الوكالة التي لوّنتنا باللون الازرق منذ 62 عاما , لتكون ذلك الوجه الدولي الاخر الذي يقدم المساعده لشعب جار عليه الوجه الاول من نفس العمله .
نشأت منذ الصغر و كملة "الوكالة" تترد على مسامعي مرارا و تكرارا في الثانية الواحده , حتى اعتقدت انه هذه الوكالة هي احدى عماتي او خالاتي الغائبات أو لربما مختار للعائلة بيده السلطه في ان يفرض الصلح على الصغير و الكبير في الديوان المعبأ برائحة القهوة العربيه الساده .
و اعتقدت ايضا في تلك الايام أن الوكالة هي صفة شرعيه لجميع السكان , حيث لم يكن في ادراكي في ذلك الوقت ان هناك دائرة ذلك المحيط الكبير الذي اسكن يتبعه مجموعة داوئر اكبر فأكبر فأكبر .
لازمني اسم الوكاله حتى صعدت اول درجة لي في التعليم الابتدائي فكانت " مدرسة الوكاله " وحمّلوني بطاقة اتذكرها جيدا تثقب من قبل موظف " الوكاله " في كل مره اذهب الى مطعم " الوكاله " في رحلة عودتي من المدرسة .
مطعم الوكالة كان يعج بالاكلات الشهيه و انواع جيده من الفواكه الطازجه , فمن ضمن " المنيو " اليومي الذي كان يقدم لابد ان تبتلع حبة صغيره شفافه لونها في اغلب الاوقات اصفر , كنت اتجرعها على مضض إذ كانو يمنعون اي احد من التقدم و الدخول الى باحة المطعم اذا لم يتناول تلك الحبة الصفراء ,حيث اكتشفت بعد سنين طوال ان هذه الحبه كانت عباره عن زيت سمك " على ذمة الراوي " .
يخلف حاجز زيت السمك " إن جاز التعبير " حاجز اخر كنا نسميه حاجز " الطاسة " و الطاسة هي عباره عن كوب معدني كبير اشبه ب قدح من البيرة الدرافت و قد افرغوا منه البيره و استبدلوها بكمية لا بأس بها من اللبن الرائب , انت هنا ايضا لا تملك حق التقدم الى الامام للاستمتاع بالطبق الرئيسي اذا ما لم تكمل افراغ كل الطاسة في معدتك .
زيت سمك تضيف اليه كمية كبيرة من اللبن في معدتك الصغيره يجعلك لا تفكر الا بالنوم في ساعتها و تترك ذلك الطبق الرئيسي ليذهب الى الجحيم .
أصل الى البيت بعد ذلك كله منهكاً انشد الحمام و مصليا و مبتهلا الى الله ان لا يكون احد اخوتي او ابواي قد شغلوه .
بيتنا طبعا كان عبارة عن غرف " وكاله " و غرف الوكالة لها شكل و تصميم فريد من نوعه لا يشابهه اي تصميم
فغرفة الوكالة مساحتها لا تتجاوز المتران تربيع بارتفاع المتران ايضا من جهه واحدة و من الجهه الاخرى اقل من ذلك ب 10سم ليخرج شكل السقف مائلا قليلا لكي يسمح بمياه الشتاء ان تنزلق مسرعة و ان لا تتخل تلك الشقوق الكبيرة التي اعترته مع مرور بعض السنين و اخفاق البنائين في اضافة المزيد من الاسمنت كون ميزانية الوكالة الدولية " لا تسمح في ذلك " .
تنادي عليّ امي من هناك و تسألني عن كرت " الوكاله " احتاجه لاذهب بأختك الى " الحكمه "
و الحكمه هي المكان الذي يعالج فيه كل من يحمل بطاقة " وكاله " و الحاملين لتلك البطاقة كانوا كثر و كنت اعجز في كل مرة ازور فيها الحكمه بأن احصي عدد المرضى , و لكن ما كان يضجر أمي وقتها حين امتنع عن الذهاب " للحكمه " تبريري " الغبي على رأيها " عندما كنت اقول لها " هي حبة هالاكامول " لجميع الامراض . حيث تدخل غرفة الدكتور بعد طول انتظار في طابور طويل , يضع السماعه على صدرك و يسألك " مالك " و قبل ان تجيبه يعطيك شريط من الاكامول .
لم يكن يجول في خاطري او اشك للحظة أن " الوكاله " قد تنتدب دكتورا ترك علم الطب في الادراج قبل ان يغادر بيته و حفظ كلمة واحده " سلامتك .. الي بعده " . قد لا ألومه فذلك ليس خطؤه عندما يكون دكتورا واحدا لاكثر من 30 الف نسمه و الرقم غير دقيق .
اسمحوا لي بإراحة قلمي ها هنا خوفاً أن يصيبه بعض الارق و تلازمه شقيقه فيحتاج هو الاخر الى حبة " اكامول " , و لنا عوده .
هههه ... تلك اشبه ببيت الطاعة ان جاز التعبير .. و لعل لونها الازرق اشعرني لوهلة ان السماء سقفها ..
ردحذفمسلسل رائع بكل تفاصيله يا صديقي ..
متابع حتى الاحداث بشغف :)
جميل .. لا أدري كيف عثرت على مدونتك بعد أن مضى وقت طويل منذ قرأت اخر مقال لك !
ردحذفمرورك هو الاجمل يا من لا يعرّف له اسم .. كل الاحترام لك
ردحذفأعلمُ أنك بارعٌ في شيء و أكثر...
ردحذفصدفة،،أسعدتني..
بأن وجدتُ شيئاً من تلك البراعة
:)
وكانت البداية من "وكالة الغوث"،،فكلنا في اللجوء فلسطيني!
دمتَ بخير..
اسعدني مرورك ايها الوطن
ردحذفكل الشكر على الكلمات اللطيفه
آمل ان ارى منك المزيد